أرشيف موقع الجامعة

 

 

قبل أوت 2022

 

التوجيه التداولي في كُتب الشّروح النَّحوية

دراسة تطبيقية في كتاب (شرح المفصل) لابن يعيش (643 ه)

                                                       د. لــزهـــــــــــر كــــــــــــــــــــرشو

                                             جامعة الشهيد حمه لخضر/ الوادي ـــ الجزائر

أخذت الدراسة التداولية طريقها في الدراسات اللغوية والبلاغية والنقدية بداية المنتصف الثاني من القرن العشرين؛ حتى أضحت رائدةَ الدراساتِ اللغويةِ في نهاية القرن العشرين وبدايةِ القرن الواحد والعشرين، ويندرج بحثنا هذا في سياق اعتماد (المنهج التداولي) وتوظيفه في قراءة التراث العربي قصْدَ فهْمِ خصائصِه المعرفيةِ والمنهجيةِ في البحث اللغوي، ولا سيما الدرس النحوي منه، وقد اجتهدنا في محاولة تسليط الضوء على التوجيه التداولي في الدرس النحوي القديم؛ متخذين من كُتُب الشروح النحوية مَحجَّ برهنَةٍ على غِنَاها بآلياتٍ تداوليةٍ تميّزُها عن المتون النحوية التي تشرحها، وقد وقع اختيارنا على كتاب (شرح المفصل) لابن يعيش ميدانَ تطبيقٍ وأجرأةٍ، كما سيسعى بحثنا هذا ــــ إن شاء الله ــــ إلى تجاوزِ إثباتِ وجودِ الآليات التداولية في كتب الشروح النحوية، إلى إثبات تطور المُنجَز التداولي في الدرس النحوي القديم عموما، والخطة التي ستُعتمد في هذا البحث قوامها: تعريفٌ للتداولية مع مهامها واتجاهاتها، ثم بيانٌ للتوجيه التداولي في كتاب (شرح المفصل) لابن يعيش، بالاعتماد على المستويات المتدرّجة التي قدّمها (هانسن Hansson) سنة 1974، من خلال (المشيرات/ القصدية والمقتضيات/ إنجازية أفعال الكلام).  

أولا . التداولية (تعريفها/ مهامها/ اتجاهاتها):

     1. تعريف التداولية: التداولية PRAGMATICSبالانجليزية وLA PRAGMATIQUEبالفرنسية ، وهو مصطلح أصله اللفظ اليوناني(PRAGMA) التي تعني الحدث أو الفعل (ACTION)(1)، وهو مصطلح « على درجة عالية من الغموض، إذ يقترن به، في اللغة الفرنسية، المعنيان التاليان: (المحسوس) و(وملائم للحقيقة). أما في اللغة الانكليزية، وهي اللغة التي كُتبت بها أغلب النصوص المؤسّسة للتداولية، فإن كلمة (PRAGMATICS) تدل في الغالب على (ما له علاقة بالأعمال والوقائع الحقيقية) » (2)، وهو المصطلح الذي ذاعت مقابلته بمصطلح (التداولية) في اللغة العربية في كثير من الدراسات اللغوية العربية المعاصرة، وقد استحسن الجيلالي دلاش هذا المصطلح ووصفه بالخفة والسلاسة(3) بعد أن لاحظ توظيف المتوكل له في كتابه (اللسانيات الوظيفية ــ مدخل نظري)، والتداوليةُ لغةً مشتقةٌ من الفعل دَوَلَ الذي يدلّ على تنقّل الشيء بين الأطراف وتحوّلهم بينهم، كما يدلّ على الفعل والحدث، فقد جاءت مفردة (دَوَلَ) في (مقاييس اللغة) على أصلين: « أحدهما يدلّ على تحوّل شيءٍ من مكانٍ إلى آخر، والآخر يدلّ على ضعفٍ واسترخاء، فقال أهل اللغة اندال القوم، إذا تحوّلوا من مكان إلى مكانٍ، ومن هذا الباب، تداول القوم الشيء بينهم: إذا صار من بعضهم إلى بعضٍ » (4)، كما فُرّقَ فيها بين الدَّولة والدُّولة، كما جاء في كتاب (الصحاح): « الدَّولة في الحرب: أن تُدال إحدى الفئتين على الأخرى. يُقال: كانت لنا عليهم الدَّولة. والجمع الدُِوَلُ. والدُّولة بالضم. في المال . يقال : صار الفيءُ دُولةً بينهم يَتَدَاوَلُونَه، يكون مرةً لهذا ومرةً لهذا والجمع دُولاتٌ ودُوَلٌ ... الدُّولة بالضم: اسم الشيء الذي يُتَداولُ به بعينه. والدَّولة بالفتح: الفعل. وقال بعضهم الدُولة والدَولة لغتان بمعنى ... » (5)، وتكاد لا تبتعد المعاجم العربية الأخرى عن هذين التعريفين، وفي مجموع معانيها لا تخرج عن: « التحوّل والتّناقل: الذي يقتضي وجود أكثر من حال يتنقل بينها الشيء، وتلك حال اللغة، متحوّلة من حالٍ لدى المتكلِّم إلى حالٍ أخرى لدى السَّامع، ومتنقِّلة بين الناس يتداولونها بينهم، ولذلك كان مصطلح (تداولية) أكثر ثبوتا ــ بهذه الدلالة ــ من المصطلحات الأخرى (الذرائعية، السياقية ... وغيرها) » (6).

أمّا عن تحديد المفهوم الاصطلاحي للتداولية فهو صعبٌ بالنظر إلى عدم وضوح حدوده، وفي ذلك يقول فرانسواز أرمينكو: « التداوليةُ درس جديدٌ وغزيرٌ، إلا أنّه لا يمتلك حدودا واضحةً ... تقع التداولية كأكثر الدروس حيويةً، في مفترق طرقِ الأبحاثِ الفلسفية واللسانية » (7)، ويمكن جمْلُ أسباب صعوبة التّحكم في تعريف التداولية في أمرين مهمّين، هما:

«1. تداخلها مع كثير من العلوم؛ إذ إنّ جملةً من العلوم قد أسهمت في تشكّل هذا الاتجاه، فهو اتجاه قد تعدّدت روافده المعرفية التي أمدّته بجملة من المفاهيم المستقرة فيها، كالفلسفة التحليلية التي نشأت التداولية في كنفها، وعلم الدلالة، وعلم اللغة الاجتماعي، وعلم اللغة النفسي، وغيرها.

2. تنوّع النظريات التي تشكّلت داخل الاتجاه التداولي؛ ممّا جعل الباحث داخل إحدى هذه النظريات يوجه التداولية نحو النظرية التي ينطلق منها. » (8)، ولمّا كان أمرُ ضبطِ التعريف متعذرا على وجهٍ جامعٍ لحدوده لزم البحث عن تعريفٍ لا تُنكرها النظرياتُ المتشكِّلة داخل الاتجاه التداولي على اختلاف روافدها العلمية والبحثية، ولعل أقربَ تعريفٍ يمكن أن يعتمد في هذا المجال هو التعريف الذي اعتمده القاموس الموسوعي للتداولية؛ حيث عرّفها بأنّها « دراسة استعمال اللغة مقابل دراسة النظام اللّساني الذي تُعنى به تحديدا اللّسانيات » (9)، أو هو العلمُ باستعمالاتِ اللغةِ (علم اللغة الاستعمالي)، وعند المشتغلين بنظرية الكلام ــ في هذا الصدد ــ فإن الفرضية الأولى التي ينطلقون منها هي: « (كلُّ قولٍ هو تحقيق لعمل) ... فمن جهة يكون العمل المقصود هو اضطلاع المتكلم بإحداث القول وتحقيقه وإيجاده للتعبير عن موقف بإزاء المحتوى القضويّ المعبّر عن حالة الأشياء في الكون، ومن جهة أخرى هو التأثيرات الخارجيّة التي يستتبعها القول سواء بتغيير حالة الأشياء في الكون، كالانتقال بموجب القول المنشئ لعقد الزّواج مثلا من حالة العزوبيّة إلى حالة الزّواج، أو بالتأثير في المخاطب ضروبا من التأثير... ، فهذه المعاني العمليّة التي تُسند إلى القول لممّا يُبرز أنّ الأقوال لا تُدركُ دلالتُها السياقيّة المقاميّة دون أخذ الجانب العمليّ المرتبط بها في الاعتبار عند تحليلها » (10)، إذًا فالتداولية على اختلاف نظرياتها ومنطلقاتها وتوجّهاتها لا تعدو أن تكون إلا دراسةً للّغة حالَ استعمالِها في مقامات مختلفة، أو هي كما يقول جيلالي دلاش: « تخصّص لسانيٌّ يدرس كيفيةَ استخدامِ الناس للأدلّة اللّغوية في صلب أحاديثهم وخطاباتهم، كما يعني من جهة أخرى بكيفية تأويلهم لتلك الخطابات والأحاديث » (11)، ويتابع قائلا:« هي لسانيات الحوار أو الأحاديث » (12)، وعندما نقول لسانيات الحوار والتبليغ والتخاطب (مجال الدراسة التداولية) فنحن نقول بلفظٍ جامعٍ (لسانياتُ الاستعمالِ).

أمّا عن روّاد التداولية فالجدير ذكره أنّ التداولية قد نشأت في أول أمرها في حاضنة الفلسفة التحليلية، وبالضبط عند الفيلسوف النمساوي (فتنغشتاين Wittgensteinـ(1889ـــ 1951)) في مرحلته الدراسية الثانية (مرحلة فلسفة الكلام العادي بدل الكلام المنطقي الصوري)؛ إذْ دعا إلى ضرورة إيلاء الأهمية إلى الجانب الاستعمالي للّغة، وذلك عن طريق ردّ الاعتبار للغة العادية (13)، بيد أنّ أشهرَ عَلَمٍ تعود إليه إرهاصات الدراسات التداولية هو الفيلسوف واللغوي الانجليزي (أستينAustin) من خلال محاضراته في نظرية الأعمال اللغوية، التي جُمعت بعد وفاته تحت عنوان (كيف نصنع الأشياء بالكلمات)، وقد ميّز (أستينAustin) وحدات بيانية (العبارات الإخبارية) وبين الوحدات الأدائية (تُؤدَّى بموجبها أفعالٌ أو أعمالٌ)، وقد أحصى (أستينAustin) خمسة أصناف من الأفعال (الحكميات/ والإنفاذيات/ والوعديات/ والسلوكيات/ والتبيينات أو العرضيات) (14)، وخلف (أستينAustin) الفيلوسوف واللغوي الأمريكي (سيرلSearle)، والذي استفاد من عمل سابقيْه (فتنغشتاين Wittgenstein) و(أستينAustin)، واستكمل مسيرة الدراسة التداولية من خلال كتابيْه (الأعمال اللغوية / والتعبير والمعنى)، وقد استطاع أن يحقق نجاحا معتبرا في وضعِ معاييرَ أكثرَ نجاعةً في ضبط الأعمال اللغوية، من خلال إعادة صياغة نظرية أفعال الكلام، وأهمّ ما استطاع الوصول إليه: (القصدية القولية أو الغائية من القول/ واتجاه المطابقة بين العلامة اللغوية والعالم الواقعي/ والحالة النفسية المعبَّر عنها... الخ) (15).

2. مهام التداولية: نشأتِ الدراسةُ التداوليةُ بعد الدراسات البنيوية والدراسات التوليدية التحويلية، وما دامت العلوم هي حصيلة تراكمات معرفية يستفيد بعضُها من بعضٍ بآليات المحافظة والتصحيح والتعزيز والتثمين والإضافة؛ أي أنّ الدراسات اللاحقة تحافظ على مكتسبات المعارف السابقة لها، مع عملها على تصحيح أخطائها التي أثبتَتْها دياكرونيةُ الزّمن، ويتساوق مع ذلك تعزيزُ ما يجبُ تعزيزُه، وتثمينُ ما يتطلبُ تثمينُه، وكذلك كان حال الدراسة التداولية التي اهتمت بدراسة الجوانب التي لم تدرسها البنيوية والتوليدية التحويلية، ويمكن اختصار أهم مهام التداولية في:

   أ. التأثيرات الفعلية للخطاب، وبذلك تحوّل الاهتمام في عهد التداولية إلى الفعل التخاطبي والفعل اللغوي بدل الجملة، كما كان في الدراسة البنيوية، وتتجلى هذه المهمة في نظرية الأعمال اللغوية التي عمل عليها (سيرلSearle) بعد أن استفاد خارطة طريقها في محاضرات (أستينAustin) (16)، ومفهوم العمل اللغوي يتلخص في «أن اللغة في التواصل ليس لها أساسا وظيفةٌ وصفيةٌ بل لها وظيفةٌ عملية، فإذْ نستعمل اللغة فإننا لا نصف العالم بل نحقّق أعمالا هي الأعمال اللغوية. فكان وجود ظواهر لغوية خاصة بالدلالة على العمل اللغوي أحد برامج البحث الأولى التي اعتمدها اللّسانيون لتأسيس التّداولية » (17).

ب. دراسة أحوال التخاطب وملابساته المقامية، وهي الأمور التي كانت مقصاةً من قِبَل البنيوية والتوليدية التحويلية قبل ظهور الاتجاه التداولي؛ الذي يعدُّ اللغةَ أداةً تواصليةً وتخاطبيةً بين متكلمٍ ومخاطبٍ في مقامٍ معيّنٍ محدّدٍ، وهو ما يوصف بظروف الاستعمال؛ من حيث إنّ « الاستعمال ليس محايدا، من حيث تأثيراتُه، في العملية التواصل ولا في النظام اللغوي في حدّ ذاته. فمن نافل القول، فعلا، أن نشير إلى أنّ بعض الكلمات (المشيرات الدالة على الزمان أو المكان أو الأشخاص من قبيل الآن وهنا وأنا) لا يمكن تأويلها إلا في سياقها ... إنّ استعمال الأشكال اللغوية ينتج عنه بالمقابل إدراجٌ للاستعمال في النظام نفسه. فمعنى القول يقوم على شرحٍ لظروف الاستعمال؛ أي لأداء ذلك القول » (18).

ج. دراسة وجوه الاستدلال والاستلزام الحواري للتواصل اللغوي؛ لأنّ المتكلم يستعين بأقواله لأداءِ دلالاتٍ تواصليةٍ أخرى فوق تلك التي تؤدّيها من خلال دلالتها الحرفية، ومثالُ الاستدلالِ بالاستلزام الحواري القول: «أيمكنك أن تمدّ لي الملح؟ ... لا ينشغل المتكلم بقدرة المخاطب على مدّه بالملح، بل يطلب منه الملح » (19).

وقد تمكّن فرانسواز أرمينكو في كتابه (المقاربة التداولية) من التعبير عن مهام التداولية في شكل أسئلة مثيرة، ترسم حدود التداولية، في قوله: « ماذا نصنعُ حين نتكلم؟ ماذا نقول بالضبط حين نتكلم؟ لماذا نطلب من جارنا حول المائدة أن يمدّنا بكذا، بينما يظهر واضحًا أنّ في إمكانه ذلك؟ فمنْ يتكلم إذًا؟ وإلى منْ يتكلّم؟ منْ يتكلّم، ومع منْ؟ منْ يتكلّم، ولأجل منْ؟ ماذا علينا أن نعمل حتى يرتفع الإبهام عن جملة، أو أخرى؟ ماذا يعني الوعد؟ كيف يمكننا قَوْل شيء آخر، غير ما كنّا نريد قوله؟ هل يمكن أن نَرْكَنَ إلى المعنى الحرفي لقصدٍ ما؟ ما هي استعمالات اللغة؟ أي مقياس يحددّ قدرة الواقع الإنساني اللغوية؟ » (20).

وتجدر الإشارة في هذا الموضع أن نسجِّل باختصارٍ شديدٍ التطوّرَ الدراسيَّ للتداولية؛ وذلك بأنْ نثبت أنّ مصطلح البراغماتية مرّ « في تاريخ تطوّره بثلاث درجات كبرى، تهتم الدرجة الأولى بدراسة المشيرات [الضمائر وأسماء الإشارة وظروف الزمان والمكان] التي تربط الخطاب بسياقه، وتعنى الدرجة الثانية بدراسة العلاقات الرابطة بين الملفوظ ومقتضاه، أي بين الكلام والقصد منه بالاعتماد على سياق التلفظ، وتعنى الدرجة الثالثة بدراسة أفعال الكلام وبمفهوم الإنجازية » (21)، وهو النظام الذي نُسِب إلى (هانسن Hansson) ، والذي وصفه فرانسوا أرمينكو بـ « نَدِينُ لهانْس بما أسهم به من نظام وبرنامج تطوير التداولية، فهو أوّل من حاول التوحيد النسقي، والرّبط بين مختلف الأجزاء المتقدمة إلى حّد الآن، بطريقة مستقلة نسبيا، وذلك بتمييزه لثلاث درجات، واختيار مصطلح الدرجات بدل الأجزاء، يدلّل على فكرة العبور المتنامي من مخطط إلى آخر،... وكلّ علاقة تعتمد على اعتبار مظهر من مظاهر السياق، ويمكننا القول باغتناء السياق من درجة إلى أخرى » (22).

3. اتجاهاتها أو أنواعها: للتداولية اتجاهات أهمُّها اتجاهان رئيسان: اتجاهٌ تمثله النظريات الخطّية، واتجاهٌ ثانٍ تمثله النظريات المدمجة.

     أ. اتجاه النظريات الخطّية: تنحدر مبادئ النظريات الخطّية من تقاليد أصحاب الوضعية المنطقية في تحليل اللغة من أمثال (كرناب Carnap / وموريس Morris / و بيرس Pierse)، وتذهب هذه النظريات على مفهوم: أنّ أيّ نظام علاميّ (علامات سيميائية) قائم على مكوّنات تسير وفق خطّية منتظمة، وهي:

التركيب¹ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدلالة² ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التداولية³.

وموضوع التركيب قائمٌ على العلاقات الرابطة بين العلامات وفق إنتاجية نحوية سليمة، وموضوع الدلالة قائمٌ على دراسة العلامات وما تحيل عليه من مرجعيات أو مسمّيات، أمّا موضوع التداولية فقائمٌ على أساس علاقة العلامات بمستعمليها أو مؤوليها، وهذا الترتيب (تركيب¹، دلالة²، تداولية³) خطّي أو المنظومي؛ أي ضروري الترتيب (23).

     ب.اتجاه النظريات المدمجة: قامت النظريات المدمجة على نقد خطّية (تركيب¹، دلالة²، تداولية³)ومنظوميتها، وعليه لا وجودَ لمعالجة خطّية للقول، بل هناك جمع للمعلومات اللغوية (المكوّن اللغوي) والمعلومات غير اللغوية (المكوّن البلاغي)؛ وذلك عن طريق دمج البلاغة بالدلالة، فيصبح المكوّن اللغوي الذي يجمع تطبيقُه بين اللفاظم وسائر الوحدات المعجمية محلَّ معالجةٍ جمليةٍ منتجةٍ للدلالةِ، هذه الدلالة التي تكون بدورها محلَّ إدماج بالكوّن البلاغي الذي يربطها بالمقام القولي، وعليه تكون المعالجة الدراسية للقول مدمجة بين ما هو لغوي وما هو غير لغوي؛ أي أنها ليست خطّيةً ولا منظومية، ومن أبرز منظري النظريات المدمجة (ديكرو Ducrot) (24).

ثانيا . التوجيه التداولي في شرح المفصل: (المشيرات/ القصدية/ الإنجازيات):

     سنحاول في هذه المساحة أنْ نبيّن الموجّهات التداولية في كتاب شرح المفصل لابن يعيش (643ه)(*)، ومن خلال إثبات وجود تلكم الموجّهات في كتاب ابن يعيش نسعى إلى الوصول إلى حقيقة الممارسة الإنجازية لأدواتِ الأجرأةِ التواصليةِ في الدرس النحوي القديم عامّة ، ولا سيما منها كتب الشروح التي لا تقف عند سردية القاعدة النحوية فحسب، بل تتجاوزها إلى تقريب الأصول والمتون إلى الفهوم التفاعلية مع المعاني المُراد سوقها، عن طريق وسائط تعبيرية تتجلى في التوظيفات المختلفة للآليات التداولية المُرَاعية لأحوال التخاطب وحيثيات المقام، ولآليات لسانية أخرى، كما نبتغي الوصول إلى حقيقة التطوّر العلمي في الميدان اللساني بمكوّنيْه اللغوي والبلاغي في الدرس النحوي القديم.

   أمّا عن الموجّهات التداولية التي سنحاول تطبيقها على الكتاب موضوع الدراسة فهي المستويات المتدرّجة التي قدّمها (هانسن Hansson) سنة 1974 ، ويتعلّق الأمر بدراسة المشيرات الإحالية [الضمائر الشخصية وأسماء الإشارة وظروف الزمان والمكان] التي تربط الخطاب بسياقه، وبدراسة العلاقات الرابطة بين الملفوظ ومقتضاه، أي بين الكلام والقصد منه بالاعتماد على سياق التلفظ، وبدراسة أفعال الكلام وبمفهوم الإنجازية، ولن تكون دراستنا مفصّلة الأجزاء مبسوطة الشرح مستوفيةً لجميع أنحاء الدرس التداولي، وذلك حتى نطابق حجم هذا البحث بمقام طرحه.

   أ. المشيرات الإحالية: أو تداولية الدرجة الأولى لدى (هانسن Hansson)، والمقصود بالمشيرات هي تلك الإحالاتُ على مراجعَ التي يريد المتكلم تبليغها إلى المخاطب بقرينة أحوال التخاطب المقامية والسياقية، والمقصود بالسياق في هذه الدرجة « الموجودات، أو محدّدات الموجودات، ومن ثمّ فالسياق الوجودي الإحالي هو: المخاطبون، ومحدّدات الفضاء والزمن » (25)، ويعود الفضل إلى اللساني الفرنسي (جان كلود ميلنر Jean Claude Milner) في اقتراح نظرية لسانية في الإحالة الإشاري، والتي حاول من خلالها تعيين حدود التحليل اللساني في إسناد المراجع، وتفسير ما تشكوه من نقص التعابير الإحالية ، ويميّز (ميلنر) بين « إحالة حاصلة لتعيين مرجع العبارة، وإحالة محتملة لتعيين دلالته المعجمية. وإذا كانت لتعبير إحاليّ إحالة محتملة بمعزل عن استعمالها فإنّه لا يتسنى مقابل ذلك أن تكون له إحالة حاصلة إلا عند استعماله. فلا يمكن أن نسند مرجعا ــ أي إحالة حقيقية ــ إلى تعبير إحالي إلا متى ما ظهر هذا التعبير في قولٍ أنتجه المتكلّم » (26).

وسأقتصر في عنصر المشيرات الإحالية على الضمائر الشخصية، وأسماء الإشارة، وظروف الزمان والمكان، وأحاول فحْصها في شرح المفصل لابن يعيش لأثبت حضور التوجيه التداولي في الدرس النحوي من خلال الكتاب موضوع التطبيق.

   أ.1. الضمائر الشخصية: الضمائر الشخصية نوع من الكنايات، وقد فصّل ابن يعيش هذه النسبة في شرحه للمفصل، بقوله: « فكل مضمر مُكَنَّى [حسب البصريين]، وليس كلُّ مُكنّى مضمرا، فالكناية إقامة اسمٍ مقامَ اسمٍ توريةً وإيجازًا، وقد يكون ذلك بالأسماء الظاهرة نحو فلان والفلان وكيت وكيت...، وإذ كانت الكناية قد تكون بالأسماء الظاهرة كما تكون بالمضمرة كانت المضمرات نوعًا من الكنايات » (27)، ولمّا كان الضمير الشخصي (أنا، أنت، هو...) ضربًا من الكنايات، والكنايات جنسٌ من التلميح المُغني عن التصريح، فقد نعت طه عبد الرحمان الكنايات بالمضمرات، وعمِل على بحث الظروف التي تلابس الإضمار، وقسمها إلى: أسبابٍ داعية لذلك، وشواهدٍ دالة في كتابه (التكوثر العقلي)، في قوله مُجمِلاً بعدَ تفصيلٍ : «... أنَّ للإضمار في الدليل أسبابا وأدلّةً [شواهد] مختلفةً، أمَّا الأسباب فهي: الاحتراز من التطويل، والقصد إلى الإيجاز، والعلم السابق بالمضمر، والقصد إلى التّدليس، وأمَّا الأدلّة فمنها الأدلّة القولية التي تشمل الأدلّة اللفظية والسياقية، ومنها الأدلّة التي تتعلّق بالمستدَل له، وبالعالم الخارجي، وبالمعرفة المشتركة على اختلاف أقسامها من معرفة لغوية وثقافية وعملية وحوارية » (28). ومن خلال عرض أسباب الإضمار وأدلته الشاهدة عليه يتجلى واضحا المجالُ التداوليُّ في صريح نصّها ومقتضيات تضاعيفها؛ ومن ذلك مراعاة ظروف الاستعمال اللغوي ممثّلة في (الاحتراز عن التطويل) التي تراعي حال المتخاطبين في تحاشي المحاذير المتعلّقة بظروف الخطاب: كتعب المخَاطب، وكإيقاع المستدل في فضل الكلام أو حشوه، وكإضعاف التوجّه إلى العمل... (29)، وممثلةً في (العلم السابق بالمضمر) التي تراعي المعرفة المشتركة للمتخاطبين، كما تتمثّل أيضا في مصطلح (القصد) والعلم بالعالم الخارجي في الأدلة الشاهدة ... .

   مع العلم أنّ التداولية هي عبارة عن ربط اللغة بسياقها أثناء الاستعمال، وتُعد الضمائر الشخصية (بصفتها ممثلةً لهُوية المخاطبين) هي النمط الأول من أنماط السياق عند بارهييل ومونتاك، كما يعرضها كتاب (المقاربة التداولية، لفرانسواز أرمينكو)، ومؤدّى هذا النمط السياقي الأول هو « أ. السياق الظرفي والفعلي والوجودي والإحالي: وهو هُوية مخاطبين، ومحيطهم الفزيقي، والمكان والزمان اللذان يتمّ بهما الغرض، وكلّ ما يندرج في الدراسة الإشارية. من هنا كان موضوع التداولية عند بارهييل ومونتاك، هو السياق وما يحويه من أفراد موجودين في العالم الواقعي» (30).

   أمّا إذا انتقلنا إلى مجال تطبيقنا المتجسّد في كتاب (شرح المفصل) فإننا نجد فيه الأسباب التداولية وأدلّتها واضحةً لا يَعْتَوِرُها غموضٌ أو تلميحٌ، في حين أنّنا لا نجدها في الكتاب المتن (المفصل للزمخشري)؛ فقد تعامل ابن يعيش مع الضمائر الشخصية بصفتها كاشفةً عن هوية المخاطبين، وهي المحطة الأولى من سياقات النمط الأول (السياق الظرفي والفعلي والوجودي والإحالي) في آليات الاستعمال اللغوي (التداولية)، وذلك بأنْ عرضَ الظروفَ الملابسةَ لـأسبابِ استعمالِ الإضمارِ؛ حيث ردّها إلى عامل الإيجاز، أو ردّها ــ بتعبير د. طه عبد الرحمان ـــ إلى الاحتراز من التطويل، والقصد إلى الإيجاز، كما عرضَ ملابساتِ التخاطبِ؛ وذلك عن طريق الأدلة (الشواهد) التي تتعلق بالعالم الخارجي حين التخاطب بقرينة المرجع (وهو صميمُ التداولية)؛ حيث أرجعها إلى الاحتراز من الإلباس بقرينةٍ حاليةٍ، ويتجلى كلُّ ذلك واضحًا في قول ابن يعيش: « وإنّما أتى بالمضمرات كلِّها لضَرْبٍ من الإيجاز واحترازا من الإلباس، فأمّا الإيجاز فظاهرٌ لأنّك تستغني بالحرف الواحد عن الاسمِ بكامِله، فيكون ذلك الحرف كجزءٍ من الاسم، وأمّا الإلباسُ فلأنّ الأسماءَ الظاهرةَ كثيرةُ الاشتراكِ، فإذا قلت: زيدٌ فعلَ زيدٌ، جاز أنْ يُتَوهّم في زيدٍ الثاني أنّه غيرُ الأوّل، وليس للأسماءِ الظاهرةِ أحوالٌ تفترق بها إذا الْتبستْ، وإنّما يُزيلُ الالتباسَ منها في كثير من أحوالِها الصفات، كقولك: مررت بزيدٍ الطويلِ، والرجلِ البزّازِ، والمضمراتُ لا لبس فيها، فاستغنت عن الصفات؛ لأنّ الأحوالَ المقترنةَ بها قد تُغني عن الصفات، والأحوال المقترنة بها حضور المتكلّم والمخاطب والمشاهدة لهما، وتقدّم ذكرُ الغائب الذي يصير به بمنزلة الحاضر المشاهد في الحكم » (31)، إنّ هذا النص ينصُّ صراحة على آليات الاستعمال اللغوي (موضوع التداولية) مُمَثلةً في تحديد العنصر الوجودي ــ هوية المخاطبين ـــ في السياق الظرفي والفعلي والوجودي والإحالي، من جهتي سبب الاستعمال وأدلّته (شواهده)؛ حيث نـــــــصَّ على سببِ الاستعمال اللغوي للمضمر (الضمائـــــــــر الشخصية) بمصطلح الإيجــــــاز، وهو المصطلـــح الذي تتقاطع دلالته مع دلالة جميع الأسباب التي ذكرها د. طه عبد الرحمان في كتابه التكوثر العقلي ــ كما ذكرنا آنفا ــ : (الاحتراز من التطويل، والقصد إلى الإيجاز، والعلم السابق بالمضمر)، وفي هذا مراعاة للجانب التواصلي الذي ينطلق من تصوّرِ ظروفِ استعمال الضمائر الشخصية، والتي تدعو هيئتها البنيوية إلى الإيجاز وفق مقتضيات السياق القولي والمقامي، كما نصَّ ابن يعيش على أحوال التخاطب أثناء الاستعمال اللغوي للخطاب؛ وذلك من خلال توظيف مصطلح الاحتراز من الإلباس، وهو المصطلح الذي يغطّي مساحة ظروف التخاطب وأحواله المرجعية ــ وهو جوهر الدرس التداولي ـــ من خلال تفصيله في درءِ الإلباس باستغنائه عن الصفات التعريفية، وباستحضاره لمسرح المشاهدة الممثّل في حضور المتكلّم والمخاطب (المراجع)، وكذا إنزالُ الغائب منزلةَ الحاضر المشاهد، ويتقاطع مصطلح الاحتراز من الإلباس دلاليا مع الأدلة والشواهد المتصلة بالإضمار التي ذكرها د. طه عبد الرحمان في كتابه التكوثر العقلي ــ كما ذكرنا آنفا ــ : (شاهد العالم الخارجي، وشاهد المعرفة المشتركة على اختلاف أقسامها من معرفة لغوية وثقافية وعملية وحوارية).

   ولم يتوقف الحضور التّوجيهي للتّداولية في شرح ابن يعيش عند هذا الحدّ فحسب، بل امتدّ إلى تقديم آليات التحليل التّداولي القائم على فقه الاستعمال اللغوي للمعارف؛ من خلال شرح مراتب المعارف، لا بلْ توصّل إلى تقديم شرح تداولي لِتَراتُبية أعْرفِ المعارفِ في الضمائر الشخصية ذاتها، أمّا عن شرح مراتب المعارف فقد عرض اختلاف النحاة بشأنها عرضا حجاجيا بآلياته الإقناعية، فقدّم رأي سيبويه، ورأي أبي بن السراج، ورأي أبي سعيدٍ السيرافي، وسنقتصر في هذا البحث على كيفية عرض ابن يعيش للرّأي الأول (رأي سيبويه)، فقال: «واعلم أنّ المعارف مرتّبة في التعريف ... وأخصّها المضمرات، وذلك لأنك لا تضمر الاسم إلا بعد تقدُّم ذكره، ومعرفة المخاطب على منْ يعود، ومن يعني، أو تفسيرٌ يقومُ مقامَ الذّكرِ، ولذلك استغنى عن الوصف، ثمّ العلم ثمّ المُبْهم، وما أضيف إلى معرفةٍ من المعارف، فحُكْمُهُ حُكْمَ ذلك المضاف إليه في التعريف، لأنّه يسري إليه ما فيه من التعريف، ثمّ ما فيه الألف واللام. هذا رأي سيبويه » (32)، فهذا الترتيب بهذه الأدلة الحجاجية يقدّم لمستعمل اللغة العربية (موضوع التداولية) الظروف والملابسات التي تجعله يقدّم معرفةً على معرفةٍ بحسب المقام والظرف المحيط بالمتكلّم، وبحسب درجة عِلْمية المُخاطب بالذات أو بالحدث.

والأكثر عمقًا ممّا تقدّم هو عرضه للتّراتبية المعرفية لأعرف المعارف (الضمائر الشخصية)؛ ويتعلّق الأمر بضمائر المتكلمين، وضمائر المخاطَبين، وضمائر الغائبين، فيقول: « ... فأَعْرَفُ المضمرات المتكلّم؛ لأنه لا يُوهمُك غيرَه، ثمّ المخاطب والمخاطب تلو المتكلّم في الحضور والمشاهدة، وأضعفها تعريفا كناية الغائب؛ لأنه يكـــــون كنايــــــة عن معرفة ونكرة، حتى قال بـــــعض النحوييــــــن كنــاية النكرة نكــــــــــرة » (33)، تقديم هاته التراتبية على هذا النّحو يدلّ على استعمال ابن يعيش لآليات التداولية الحديثة، وإن كان قد عاش في القرن السابع الهجري؛ حيث إنّه يعتمد في هذه التراتُبية على آلية الاعتداد بعنصر العالم الخارجي أو المرجع الذي تعتمده التداولية في المتابعة التحليلية لأحوال المقام، وقد عبّر عن العالم الخارجي بلفظتي (الحضور والمشاهدة)، جاعلا أولوية الترتيب للمتكلّم ثم المخاطب ثم الغائب، وفي هذا مراعاة للتطبيق العملي لاستعمالات اللغة سواء تعلّق الأمر بتراتُبية المعارف أم بتراتُبية أعرف المعارف.

   وعليه نستنتج أنّ عرض ابن يعيش: لسبب الإضمار (الإيجاز)، وللشواهد الدالة عليه بقرينة الحضور والمشاهدة ــ على حدّ وصفه ــ هي من صميم الدراسة التداولية بقرينة تعلّقها بالمكوّن الوجودي للنمط الأول من مكوّنات السياق (السياق الظرفي والفعلي والوجودي والإحالي) ، كما أنّ عرضه بالحجاج لأعرف المعارف (الضمير)، وعرضه لأعرف معارف الضمير هو تعريفٌ إنجازي بالظروف السياقية لاستعمالات اللغة (موضوع التداولية). مع العلم أنّ ما ذكرناه من تحليلٍ موصوفٍ بالتداولي بقرينة السياق الوجودي هو في شرح ابن يعيش لا في متن المفصل للزمخشري، ممّا يُرخّص لنا نقول: إنّ شرح ابن يعيش اعتمد على آليات تداولية في شرحه لكتاب المفصل للزمخشري بامتياز.                           

أ.2. أسماء الإشارة: أسماء الإشارة من المشيرات الإحالية، والإحالة ـــ عموماــ هي التي: « تتحدّد من خلال العنصر اللغوي والسياق الوجودي أو الخارجي، ومن ثمّ تمثّل دراسة البعد الإشاري للعلامة اللغوية جزءًا من مقاصد الخطاب » (34)، وهذا ما جعل (ملنرMilner) يقول: « إنّها فاقدة للاستقلالية الإحالية » (35).

   تقوم كتب متون النحو العربي، كما في كتاب المفصل للزمخشري بتعداد أسماء الإشارة (ذا، ذي، تا، تي، أولاء....)، وتذكر بناءها وإعرابها وصفًا واستقراءً لكلام العرب دون تفصيل استعماليٍّ لها، بيد أنّ كتاب (شرح المفصل) لابن يعيش لا يقف عند حدّ الاستقراء والبناء والإعراب، بل يتجاوزها باستخدام آليات سياقية تداولية في شرح المتن، فنجده يطبّق المفاهيم التداولية تطبيقا مراسيا لا ينقصه إلا تناول الباحثين له، عن طريق الفحص التحليلي الذي يربط التطبيقات التداولية في كتاب ابن يعيش بالنظرية البراغماتية المعاصرة.

   فنجد ابن يعيش مثلا يستحضر المشار إليه إلى طرفي الخطاب في شرحه لأسماء الإشارة؛ فيقول: « ويقال لهذه الأسماء مبهمات لأنها تشير بها إلى كلِّ ما بحضرتك، وقد يكون بحضرتك أشياء فتلبس على المخاطب فلم يدر إلى أيّها تشير فكانت مبهمة لذلك، ولذلك لزمها البيان بالصفة عند الإلباس، ومعنى الإشارة الإيماء إلى الحاضر بجارحة، أو ما يقوم مقامَ الجارحة، فيُتعرّف بذلك » (36)، ولا يقف ابن يعيش في تعريفه لأسماء الإشارة بالقرينة الحالية(الإيماء إلى الحاضر بجارحة...) فقط، بل يمضي بعيدا في بيان الفعل التواصلي بالإشارة بين المتكلم المشير والمخَاطب، وفي بيان مدى حاجة الإحالة الإشارية وافتقارها إلى مرجع خارجي حتى تترسّخ دلالته الحاصلة في نفس المتلقي وعقله، فيقول: « فتعريف الإشارة أن تخصص للمخاطب شخصًا يعرفه بحاسة البصر، وسائرُ المعارفِ هو أن تختص شخصا يعرفه المخاطب بقلبه، فلذلك قال النحويون: إنّ أسماء الإشارة تتعرّف بشيئين بالعين والقلب » (37)؛ نلمس في هذا التعريف تميزا بين أسماء الإشارة وسائر المعارف تمييزا استعماليا بأجرأةٍ تداولية تقوم على الآلة المحددة للمرجع في العالم الخارجي؛ أمّا أسماء الإشارة فآلتها البصر لكشف هُوية المرج للمخاطب، وأمّا سائر المعارف فآلتها القلب، مثل هذا الشرح هو غوصٌ في آلة المرجع وليس إشارةً للمرجع فقط، الشيء الذي يدفعنا إلى القول: إنّ شرح ابن يعيش يعتمد آليات تداولية في تقديمة لقواعد النحو العربي.

   كما أشار ابن يعيش إلى الإشعار بالمعنى البُعدي لأسماء الإشارة من جهة المرجع الخارجي في قوله: « لأنّ حقيقة الإشارة الإيماء إلى حاضر، فإذا أرادوا الإشارة إلى متنحٍ متباعدٍ زادوا كاف الخطاب، وجعلوه علامة لتباعد المشار إليه، فقالوا: ذاك، فإنْ زادَ بُعد المشار إليه أتوا باللام مع الكاف، فقالوا: ذلك، واستفيد باجتماعهما زيادة في التباعد، لأنّ قوة اللفظ مشعرةٌ بقوة المعنى » (38)، ومقصود ابن يعيش بإشعار اللفظ بالمعنى، أنّه حين الاستعمال اللغوي للّفظ المكوَّن من اسم إشارة وكاف ولام يشعر المخاطب بُعد شُقّةِ المشار إليه، وفي هذا إدراك لقيمة اللفظ في الإيحاء بالمعنى عند الاستعمال.

   أ.3. ظروف الزمان والمكان: إنّ الظروف الزمكانية هي من محددات السياق الإشارية، وتنخرط مع المكوّنات السياقية للدرجة الأولى مع هوية المخاطبين، ومحيطهم الفزيقي، وكلّ ما « يحويه من أفراد موجودين العالم الواقعي » (39).

   وصف ابن يعيش الظروف الزمكانية بالغايات، والغايات نهاية كلّ شيء، فيقول: « إنما قيل لهذا الضرب من الظروف غايات؛ لأنّ غاية كل شيء ما ينتهي به ذلك الشيء، وهذه الظروف إذا أضيفت كانت غايتها آخر المضاف إليه، لأنّ به يتمّ الكلام وهو نهايته، فإذا قُطعت عن الإضافة وأريد معنى الإضافة صارت هي غايات ذلك الكلام، فلذلك من المعنى قيل لها غايات » (40)، وإنما وُصفت هذه الظروف بالغايات، وعُرّفت الغايات بمُنتهى مضافه؛ لأنّ الخطاب في أوان استعماله ينتهي زمنُه عند حدٍّ معيّن، كما ينتهي مكانه في حدٍّ معيّن، ولذلك نَسَب ابن يعيش حدودَ الزمان والمكان إلى تمام الكلام، وتمام الكلام نهايته.

   ومن الآليات التداولية التي استخدمها ابن يعيش في شرحه لمفصل الزمخشري إشارته إلى البُعد الإشاري للزمن أو (ظرف الزمن)، فهو يقول بالزمن الاستعمالي حين ممارسة الكلام أو الخطاب، ولا يقول بـ« الزمن الفزيقي (المستمر، والأحادي الشكل، والمجزأ إراديا)، ولا بالزمن التسجيلي (زمن اليومية والتاريخ) » (41)، بل نجده يشرح بتقنية الزمن اللساني في جانبه الخطابي أثناء الممارسة الاستعمالية، أو الزمنِ ذي الخصوصية في «ارتباطه العضوي بممارسة الكلام، إذ يتحدّد وينتظم كوظيفة للخطاب» (42)، ومصداق هذا المفهوم المراسي التداولي للبُعد الإشاري للزمن ما شرح به ابن يعيش تعريف زمن الظرف (الآن)، في قوله: « وأما (الآن) فلمّا أريد به التعريف البتة لزمت أداته، وأمّا علّة بنائه فإبهامه ووقوعه على كلّ حاضر من الأزمنة، فإذا انقضى لم يصلح له، ولزمه حرف التعريف فجرى مجرى (الذي) و(التي) فاعرفه » (43)، فقوله (وقوعه على كلّ حاضر من الأزمنة) يقتضي انخراطه في الاستعمال كوظيفة استعمالية للخطاب، فإذا استعمل الماضي في الخطاب دلّ توظيف (الآن) على الحاضر في ذلك الخطاب الواردة وقائعه في حكايةٍ عن الماضي، وهكذا مع زمن المستقبل، وفي هذا مراعاة للجانب الاستعمالي للبُعد الإشاري للزمن، وشرحٌ بحضور التوجيه التداولي، عن طريق تصوّر اتجاهات الزمن المختلفة أثناء إنتاج الخطاب التواصلي بين المخاطبين. وعليه يمكننا الاطمئنان على الوصف الذي نَعَتْنَا به شرحَ ابن يعيش، من أنّه شرحٌ بتوجيه تداوليّ، أو هو أجرأة تداولية لكتاب (المفصل) للزمخشري.

ويؤكّد ابن يعيش ــ أيضا ـــ على أنّ الظروف محدّدات الخطاب حين الاستعمال يصوّر معاني الظرفين (متى/ وأين) بوصفهما محدّدات خطابية في هيئة حوارية بين المخاطبين، وهو باستخدامه لهذا التمثيل الحواري يشرح متن كتاب المفصل بآلية التوجيه التداولي، فيقول في الظرف الزمني (متى): « وأمّا (متى) فسؤال عن زمان مبهم يتضمن جميع الأزمنة، فإذا قيل: متى الخروج؟، فتقول: اليوم أو الساعة أو غدا، والمراد بها الاختصار، وذلك أنّك لو سألت إنسانا عن زمن خروجه لكان القياس: اليوم تخرج أم غدا أم الساعة، والأزمنة أكثر من أن يُحاط بها، فإذا قلت: متى؟ أغنى عن ذكر ذلك كلّه ...» (44)، فترى في شرح ابن يعيش إقامة حوار تداولي، يحاول من خلاله الشارح تقديم مفهوم الظرف الاستفهامي (متى) بأدوات مُحادثية تصوّر استعمال المحدّد الزمني (متى) أثناء التداول، وهذا ما قصدناه بالتوجيه التداولي في شرح المتون النحوية، ونجد مثل هذا التحليل التداولي في الظرف الاستفهامي للمكان (أين)، إذْ يقول: « وأمّا (أين) فظرف من ظروف الأمكنة، وهو مبني لتضمنه همزة الاستفهام، والغرض به أيضا الإيجاز والاختصار، وذلك أنّ سائلا لو سأل عن مستقرّ زيد، فقال: أفي الدار زيدٌ؟، أفي المسجد زيدٌ؟، ولم يكن واحدٍ منهما، فيجيب المسؤول: بِلا، ويكون صادقا، وليس عليه أن يجيب عن مكانه الذي هو فيه؛ لأنه لم يسأل إلا عن هذين المكانين فقط، والأمكنة غير منحصرة، فلو ذهب يعدّد مكانا مكانا لقصر عن استيعابها، وطال الأمر عليه، فجاءوا بـ(أين) مشتملا جميع الأمكنة، وضمنوه معنى الاستفهام، فاقتضى الجواب من أوّل أمره ... » (45)، وبذلك نرى الأدوات التداولية مستخدَمةً في الاستعمال اللغوي بقرينة السؤال والجواب المفترضيْن عند الاستعمال، فتصبح هذه الأدوات التداولية هي الإضافة التي أضافها الشارح في شرحه مقارن بالمتن المشروح (المفصل للزمخشري).

   ب. القصدية والمقتضيات: أو تداولية الدرجة الثانية لدى (هانسن Hansson)، والمقصود بالقصدية والمقتضيات هي دراسة العلاقات الرابطة بين الملفوظ ومقتضاه، أي بين الكلام والقصد منه بالاعتماد على سياق التلفظ، كما تعتبر التداولية من الدرجة الثانية لدى (هانسن Hansson) « دراسة للطريقة التي ترتبط بها القضية بالجملة المعبّر عنها، إذ على القضية المعبّر عنها في كلّ الحالات أن تتميز عن الدلالة الحرفية للجملة » (46)، وهي درجة السياق المتنامي والموسع عن الدرجة الأولى؛ وسعته تشمل « ما يفترضه المتخاطبون أيضا، إنّه سياق المعلومات والمعتقدات المشتركة، ومع ذلك فإنه ليس سياقا ذهنيا، ولكنه سياق يُعبّر عنهبألفاظ العوالم الممكنة » (47).

   لقد كان منطق الدراسات القديمة (قبل ظهور الدراسات التداولية) « لا يعترف إلا بعلاقة استدلالية وحيدة وقوية هي الاستدلال المادي، فإنّ الدراسات الألسنة الطبيعية قد أضافت إليها ظواهر أخرى قريبة منها دون أن تماثلها (Paralogique): هي الاستلزامات الخِطابية المحادَثية (بمفهوم غرايس 1975)، والتضمينات (Implicitations) (بمعنى (سبربر) و(ولسن) 1986 و1989)، والاقتضاءات (Présuppositions(48).

   أمّا الاستلزامات الخِطابية أو الاستلزام الحواري فهو: « أ. المعنى التابع للدلالــــة الأصلية للعبـــارة [أو هو]

ب. ما يرمي إليه المتكلم بشكل غير مباشر، جاعلا مستمعه يتجاوز المعنى الظاهري لكلامه لمعنى آخر» (49)، وقد اقترح بول كرايس (Paul Grice) في ضوء الاستلزام الحواري نحوًا قائمًا على أسسٍ تداوليةٍ للخطاب، تُراعى فيه النقاط التالية:

      أ. معنى الجملة المُتَلفَّظ بها من قِبل متكلّمٍ في علاقته بمستمع.

   ب. المقام الذي تُنجز فيه الجملة.

   ج. مبدأ التعاون (Principe de Coopération) (50).

عموما « فالاستلزمات الغريسية لا تدخل ضمن الدلالة بالمعنى الضيق؛ أي باعتبارها جزءًا من المضمون القضوي، وإنما من حيث استعمالها من قِبل المتكلم بقصد معيّن » (51)، وكذلك التضمينات بمعنى (سبربر) و(ولسن) « شأنها شأن الاستلزمات المحادثية لا تتعلّق بدلالة الجملة، ولا تدخل في مضمونها القضوي » (52)، وقد استفادت التضمينات من « نظرية غرايس الحوارية (المحادثية)، التي تنص على أنّ التواصل الكلامي محكوم بمبدأ عام (مبدأ التعاون) وبمسلمات حوارية. إلا أنّ (نظرية الملاءمة) [من تضمينات (سبربر) و(ولسن)] أعادت النظر في نظرية غرايس، وقلّصت محتوياتها مقتصرة على (مبدأ الملاءمة) كأساس مركزي يختزل جميع المسلمات المذكورة ... » (53)، أمّا الاقتضاءات فهي سبيلٌ عقليٌ موصلٌ إلى قصد المتكلم دون وسائط منطقية[حسب وجهة النظر التداولية] ، أو هي: «استلزام القول لمعنى تابع للمعنى العباري من غير توسط دليل، ومع توقف فائدة القول عليه » (54)، مع ملاحظة أنّ « إدخال الاقتضاء في الصورة المنطقية لا معنى له إلا إذا كانت الظاهرة لغوية تؤثر في شروط صدق الجملة، وليس مجرد ظاهرة تداولية » (55).

   عموما ما يمكن أن يُجمع فيه الاستلزام الحواري المحادِثي والتضمينات والاقتضاءات (مكوّنات الدرجة الثانية) على صعيدٍ تداوليٍّ جامعٍ (مع اعتبار الفروق بينها) هو محاولة الوصول إلى ما يرمي إليه المتكلم (القصد) بشكل غير مباشر أثناء الاستعمال اللغوي، جاعلا مستمعه يتجاوز المعنى الظاهري لكلامه لمعنى آخر، عن طريق مبدأ التعاون، مع عدم الاعتداد بدلالة الجملة في صورتها القضوية المنطقية.  

   أمّا إذا انتقلنا إلى الشّق التطبيقي المتعلّق بكتاب (شرح المفصل) لابن يعيش فإننا نجده يدرس العلاقات الرابطة بين الملفوظ ومقتضاه، أي بين الكلام والقصد منه بالاعتماد على سياق التلفظ؛ ومن ذلك البحث في القصد في باب مجيء النعت للمدح والتعظيم أو الذم والتحقير؛ بمعنى أنّه أحيانا ما يوظّف النعت و« لا يُراد إزالة الإشراك ولا تخصيص نكرة، بل لمجرّد الثناء والمدح أو ضدهما من ذم أو تحقير، وتعريف المخاطب من أمر الموصوف ما لم يكن يعرفه، وذلك نحو قولك: جاءني زيدٌ العاقل الكريم الفاضل، تريد بذلك تنويه الموصوف والثناء عليه بما فيه من الخصال الحميدة، ومن ذلك صفات الباري سبحانه، نحو: الحي العالم القادر، لا تريد بذلك فصله من شريك الله تعالى عن ذلك، والندب إليه » (56)، نفهم ممّا ذُكر أنّ الدلالة المنطقية لأمثلة ابن يعيش لا تخرج عن إدراك الصفات التي تزيل الشركة عن الموصوف، بيْد أنّ قصد المتكلّم منها أحيانًا المدح والثناء، ويتجلّى ذلك حين الاستعمال والتداول، وقد عبّر ابن يعيش عن القصد بلفظ (يُراد)، كما قد يُراد أيْ يُقصد الذم والتحقير، كما في: « رأيت زيدًا الجاهلَ الخبيثَ، ذممته بذلك لا أنّك أردت تفصله من شريك له في اسمه ليس متصفا بهذه الأوصاف » (57)، إذًا إنّ البحث في الصفات والنعوت بهذه الكيفية هو بحثٌ في مقتضيات الأقوال لا بصفتها تستلزم مقتضًى منطقيا (إزالة الشركة)، بل تستلزم مقتضًى تداوليا عُمدته الكشف عن قصد المتكلّم بالقرائن الحالية (الاستعمال والتداول)، وما يزيد في إثبات الآليات التداولية في كتب الشروح النحوية، واعتمادها المسرح الاستعمالي للغة ما ذكره ابن يعيش في مواضع حذف الصفة إذا دلّ عليها الحال (المقام)، في قوله: « وقد حُذفت الصفة على قلة وندرة، وذلك عند قوة الحال عليها... وإذا كنت في مدح إنسانٍ والثناء عليه، فتقول: كان واللهِ رجلاً، وتزيد في قوة اللفظ بالله وتمطيط اللام، وإطالة الصوت، فيُفهم من ذلك أنّك أردت كريما أو شجاعا أو كاملا، وكذلك في طرف الذم إذا قلت: سألت فلانًا فرأيته رجلاً، وتزري وجهك وتقطبه، فتُغني عن بخيلاً أو لئيمًا... » (58)، فترى أنّ شرح ابن يعيش شرحٌ تداولي استعمالي بامتياز؛ يستحضر فيه ملابسات المقام من خلال: (تزري وجهك وتقطبه/ تزيد في قوة اللفظ بالله وتمطيط اللام، وإطالة الصوت)، وفيه التوجيه إلى قصد المتكلّم بـ (فتفهم … / فتُغني عن …).

ومن الظواهر التداولية كذلك الفوارق الاستلزامية للعلامة الإعرابية بوصفها عنوانًا لضبط قصد المتكلّم بالاعتماد على مبدأ التعاون بين طرفي التخاطب، بمعنى أنّ اختيارَ المتكلّمِ لعلامةٍ إعرابيةٍ معيّنةٍ مع العدولِ القاصدِ لعلامةٍ إعرابيةٍ أخرى ـــ مع توفّر عنصر الصحّة التجويزية للعلامتين من الوجهة النحوية للتركيب ــ هو فعل استلزامي قضوي يُتوصّل من خلاله إلى معرفة قصد المتكلّم بالشكل التداولي الاستعمالي لا بالشكل المنطقي ، فتصبح العلامة الإعرابية المُختارة هي أداة المتكلّم التي يُوجّه من خلالها مستمعه إلى أنْ يتجاوز المعنى الظاهري لكلامه لمعنى آخر، عن طريق مبدأ التعاون، ومثال ذلك عطف الفعل الثاني بعلامة الجزم على الفعل الأول في أسلوب النهي يحمل فهمًا لمقصود المتكلم مقتضاه النهي عن الفعل الأول منفردا، والنهي عن الفعل الثاني منفردا، بينما لو أنّ المتكلّم نصبَ الثاني بتقدير (أن) المضمرة فإنّ المتلقي (عن طريق مبدأ التعاون) سيفهم قصد المتكلّم بالشكل التالي: النهي عن اجتماع الفعلين، مع جواز إتيان الفعلين في حال الإفراد، يجمع ابن يعيش لنا كلّ هذا التحليل القصدي الاستلزامي في باب نصب المضارع بـ (أنْ) المضمرة في قوله: «... بل يجوز فيها العطف على ظاهر الفعل المتقدّم فيشاركه في إعرابه إنْ رفعا وإنْ جزما، ألا ترى أنّك إذا قلتَ: لا تأكلِ السمكَ وتشربْ اللبن، بجزم الثاني، كنت قد عطفت الثاني على الأول، ويكون المعنى أنّك نهيته عن كلّ واحدٍ على الانفرادِ، حتى لو أكل السمك وحده كان عاصيًا، ولو شرب اللبن وحده كان عاصيًا، فإذا أُريد النهي عن الجمع لا عن كلّ واحدٍ منهما عدل إلى النصب [أيْ نصب الفعل (تشرب)] ... أي إذا أُريد غير معنى العطف الصريح، وكان له مساغ عدلوا إليه ... » (59)، وإذا ترجمنا النص بمصطلحات التداولية الحديثة فإن مصطلح (معنى) في قول ابن يعيش: (ويكون المعنى أنك نهيته...) هو القصد الاستلزامي الخطابي للمتكلّم بقرينة استعمال علامة النصب دون الجزم، والفعل (أُريد) بمعنى (قُصد إلى استعمال).

   إنّ العلامة الإعرابية هي عنوان الاستعمال اللغوي وأثره، وبها يتحدّد مقصود المتكلّم وفقا لمبدأ التعاون بين المخاطبين حين الاستعمال، ومثالُها في كتاب ابن يعيش أيضا استعمالاتُ (حتى)، إذْ إنّ كلّ استعمال يحدّد بمقتضاه قصد المتكلم التداولي ؛ فإذا كان الاسم بعدها منصوبا فهي عاطفة تشرك ما بعدها فيما قبلها، وإذا كان الاسم بعدها مرفوعا فهي ابتدائية، أمّا إذا كان ما بعدها مجرورا فهي خافضة تسحب المعنى بعدها إلى ما قبلها، وفي هذا يقول ابن يعيش: « واعلم أنّ (حتى) إنّما يتحقق العطف بها في حالة النصب لا غير، نحو قولك: رأيت القوم حتى زيدًا، فالاسم بعد (حتى) داخل في حكم ما قبلها، ولذلك تبعه في الإعراب، فأمّ إذا قلت: قدم القوم حتى زيدٌ، فإنّه لا يتحقق ها هنا العطف لاحتمال أن تكون حرف ابتداء، وهو أحد وجوهها، وما بعدها مبتدأ محذوف الخبر، وكذلك إذا خفضت ربما يُتوهم فيها الغاية، على نحو قوله تعالى: ﴿ حتى مطلعِ الفجر(60)... » (61)، إذا عندما يتحدث النحاة عن العلامات الإعرابية والدخول في حكم الإعراب فهم لا يتحدثون عن جانب شكلي أو متعلّق بشيءٍ من المعنى بوجه عام، بل هم يبحثون عن قصْد المتكلّم في الاستعمال، أو يمكننا أن نحكم عليهم بأنهم يطبقون المفهوم التداولي الحديث بعملية دقيقة جدا، تكون فيها العلامة الإعرابية هي الأثر الجلي للاستعمال، وهي الطريق الموصل للاستلزام الخطابي الذي يُبين قصد المتكلم لمستمعه بجامع شركة مبدأ التعاون.          

ج.الإنجازيات: أو تداولية الدرجة الثالثة لدى (هانسن Hansson)، والمقصود بالإنجازيات هو دراسة أفعال الكلام وبمفهوم الإنجازية ، وأفعال الكلام أو أفعال اللغة هي أحد أهم الوظائف التداولية، وقد بدأها أستين Austin بتمييزه بين الأقوال الوصفية القائمة على ثنائية (الصدق/ والكذب)، وبين الأقوال الإنشائية أو الأفعال الإنجازية القائمة على النجاح والإخفاق، وفحوى هذه النظرية أنّ كلّ « ملفوظ ينهض على نظام شكلي دلالي إنجازي تأثيري. وفضلا عن ذلك، يعدّ نشاطا ماديا نحويا يتوسّل أفعالا قولية (Actes Locutoires) لتحقيق أغراض إنجازية (Actes Ullocutoires) كالطلب والأمر والوعد والوعيد ... الخ، وغايات تأثيرية (Actes    Perlocutoires تخصّ ردود فعل المتلقي (كالرفض والقبول). ومن ثمّ فهو فِعل يطمح إلى أن يكون فعلاً تأثيريا، أي يطمح إلى أن يكون ذا تأثير على المخاطب، اجتماعيا أو مؤسساتيا. ومن ثمّ إنجاز شيء ما » (62). وفي سبيل إنتاج فعل كلامي كامل ــ حسب أستين Austin ـــ قسمه إلى ثلاثة أقسام فرعية، هي:

       1. العمل القولي الذي نحققه حين نقول شيئا ما، ونحقق فيه ما يضمن إنتاج أصوات سليمة من الناحية

           الصرفية والنحوية.

       2. العمل المتضمّن في القول الذي نحققه في قولنا شيئا ما، بأن نفهم في الحال أنّ القول المرسل هو

           نصحٌ أو أمرٌ أو استفهام... الخ.

       3. عمل التأثير بالقول الذي نحققه بواسطة قولنا شيئا ما، أو هو ما يُنتجه القول من أثرٍ فعلي لدى

           المخاطب (63).

   وعليه يمكن جمع هذه الأعمال الثلاثة في هذه الجملة: قولٌ سليم شكليا، معبّأٌ إنجازيا، مؤثر فعليا، ومثاله: أنْ يقول المعلّم لتلميذه: أعدِ النظر في إجابتك مرةً أخرى، فالفعل (أعدْ) بمعناه المعجمي، وما يحيل عليه وهي (إجابتك)، مع سلامة هذه الجملة صرفيا وتركيبيا هو العمل القولي، أمّا فهم الجملة على أنّها أمرٌ أو نصحٌ فهو العمل المتضمن بالقول، وأمّا اقتناع التلميذ فهو عمل التأثير بالقول، مع ملاحظة العمل القولي قد يكون إنشائيا مباشرا، كما في الأمر (أعدْ)، وقد يكون إنشائيا بطريقة غير مباشرة أو غير طلبية صريحة بصيغها المعروفة؛ كأن تقول: (آمرك/ أو أنصحك)، المهم في الفعل القولي أن يكون معبّأً بقوى الإنجاز والفعل في مضمونه.

   وقد حاول أوستين (Austin) أن يجمع أصناف الفعل الإنجازي ويحصيها في خمسة أنواع، استنسخها عن اللغة الفرنسية والانجليزية، هي:

  1. الحكميّات (Verdictifs): وتوافق أفعالا من مثل: أدان، وبرّأ، وأصدر حكما، وصنّف، وقوّم.... الخ.
  2. الممارسية (Exercitifs): وتوافق أفعالا فيها إصدار قرار لصالح قضية أو ضدها، من مثل: أمر، وقاد، ودافع، وطالب ... الخ.
  3. الوعديات (Commissifs): وتوافق أفعالا من مثل: وعد، وتمنى، والتزم، ونذر، وعزم ... الخ.
  4. التبيينيّات (Expositifs) أو العرضيات: وتوافق أفعالا من مثل: أكّد، وأنكر، وأجاب، واعترض، ووهب... الخ.
  5. السلوكيات (Comportementaux): ويتعلق الأمر بردود الفعل تجاه الآخرين، وتوافق أفعالا من مثل: اعتذر، وشكر، ونقد .... الخ.
  6. واسم القوة المقصودة بالقول.
  7. واسم المضمون القولي.
  8. القوة المقصودة بالقول.
  9. المضمون القضوي الإحالي.
  10. إنّ اعتماد (المنهج التداولي) وتوظيفه في قراءة التراث العربي كفيلٌ بفتحِ آفاقٍ رحبةٍ لفهمِ خصائصِه المعرفيةِ والمنهجيةِ.
  11. حضور التوجيه التداولي بآلياته الإنجازية في شرح المتون النحوية في الدرس النحوي القديم، كان الميزة الفارقة بين المتون والشروح، ولا سيما في شرح ابن يعيش على مفصّل الزمخشري (سيأتي ذكرها في النتائج الموالية).
  12. شرح ابن يعيش اعتمد آلية الربط بين الخطاب وسياقه، عن طريق توصيل المشيرات (الضمائر، وأسماء الإشارة، والظروف) بمراجعها ومُحِيلَاتها المقامية في تصوّرٍ لاستعمالاتها اللغوية، بوساطة تمثيل مسرح المشهد التخاطبي أثناء الاستعمال.
  13. شرح ابن يعيش اعتمد آلية الربط بين بين الملفوظ ومقتضاه، أي بين الكلام والقصد منه بالاعتماد على سياق التلفظ، وذلك عن طريق بيان مقصد المتكلّم في باب (مجيء النعت للمدح والتعظيم أو الذم والتحقير) ... ، وبيان مقتضيات الخطاب في الاستلزام الخطابي أو المحادثي في حضرة سلطان المقام التخاطبي الذي يُؤخذ عنوانُه من فوارق المعنى التي تُحدثها العلامات الإعرابية بقصْدٍ من مستعملها (المتكلّم).      
  14. شرح ابن يعيش اعتمد الآلية الإنجازية لأفعال الكلام، وذلك عن طريق تركيزه على موضوعات أفعال الكلام بدءًا من إبراز غرض المتكلّم الذي يعبّر عنه بمصطلحات (القصد، والإرادة، والغرض، والنيّة)، ومرورا بإبراز عنصر الإفادة في معناها الدلالي العام، وفي معناها الإسنادي، مفرّقا بين مُعْتَمَدِ الإفادة (المبتدأ مثلا)، ومحلّ الإفادة (الخبر مثلا)، كما أوضح ابن يعيش (بمصطلحاته) مكوّنات الفعل الكلامي (القوة المقصودة بالقول + المضمون القضوي الإحالي) في معالجته لأساليب العربية؛ من تأكيدٍ (بأنواعه)، ونداءٍ (بأنواعه)، الاستفهام ... الخ.
  15. ينظر: Pragmatique pour le discours littéraire, Collection lettres, SUD,Dunod,paris, :Dominique Maingueneau

   لقد حاول أستين (Austin) من خلال هذه الصّنافة صناعة معجم لأفعال الكلام التي تعبر عنها الأفعال الإنشائية الصريحة (الطلبية) وغير الصريحة (غير الطلبية)، ولكن سرعان ما تجلّت صعوبة هذا المسعى، ممّا دفع باللغوي سيرل (Searle) إلى تحويل تركيز الدراسة العلمية لأفعال الكلام إلى قضيتين مهمّتين في العمل القولي المنجز، وهما: القضية المعبّر عنها أو(القوة المقصودة بالقول)، والعمل المتضمن في القول المحقّق أو(المضمون القضوي الإحالي)؛ ويتجلى ذلك تعدّد الأقوال بمعانٍ مختلفة على الرغم من وحدة القضية المعبّر عنها في تلكم الجمل، نحو: يدخّن زيدٌ كثيرا.

                           هل يدخّن زيدٌ كثيرا؟

                           زيدٌ، دخِّن كثيرا.

                        يا إلهي، ما أكثر ما دخّن زيدٌ (64).

أمّا القضية المعبّر عنها في جميع الجمل فواحدة، وهي (تدخين زيد)، والمعاني الواردة عليها مختلفة، فالأولى إخبار، والثانية استفهام، والثالثة أمر، والرابعة تعجب.

وعلى هَدْي مكوّني العمل القولي اقترح سيرل (Searle) التفريق بين عنصرين من البنية الإعرابية للجملة، هما:

يحدّد الأول منهما القوة المقصودة بالقول، فيما يشير الثاني إلى القضية المعبّر عنها، ومثال ذلك هذان المثالان:

   ــــ آمرك بأن تغلق النافذة.

ــــ أعدك بأن أغلق النافذة.

فالجملتان مكوّنتان من إسناد أصلي (آمرك/ أعدك) يمثّلُ واسمَ القوة المقصودةِ بالقولِ، ومن إسناد فرعي (تغلق النافذة/ أغلق النافذة) ويمثّلُ واسمَ المضمونِ القضويِّ (65). مع ملاحظة أنّ المضمون القضوي لا يستطيع الاستقلال بنفسه، بل لا بدّ للمضمون القضوي من قوّةٍ مقصودةٍ توجهه (66)، لذلك كان اهتمام سيرل (Searle) منصبا على القوة المقصودة بالقول، من حيث كونها الموجّهَ الرئيسَ للخطاب، ولعلّه وجد في الأفعال الإنشائية أقوى مظهرٍ تتجلى فيه القوة المقصودة بالقول، أمّا إذا لم يكن الفعل الإنشائيُّ صريحا فتظهر القوة المقصودة بالقول في مقام الخطاب. وقد حاول سيرل (Searle) وضْعَ عددٍ من المقاييس (12 مقياسا) لتصنيف الأعمال اللغوية (67)، ويلاحظ في تلكم المقاييس التركيز على القوة المقصودة بالقول دون الاهتمام بعمل التأثير في القول، بل إنّه قد شكّ في وجوده أصلا (68). ولسيرل (Searle) تصنيفات أخرى لا تخرج عن قضيتين مهمتين للفعل الكلامي، هما:

   أمّا إذا انتقلنا إلى فحص كتاب (شرح المفصل) لابن يعيش بالمنظار التحليلي لسيرل (Searle)، فإنّنا سنعمد ـــ باختصار ـــ إلى طرق قضايا التالية:

           ــــ قضية الأفعال الكلامية في الغرض (القصد) والإفادة.

          ـــــ قضية الأفعال الكلامية في الأساليب (التأكيد/ الإغراء والتحذير/ النداء بأنواعه...).

   أ.أفعال الكلام في الغرض (القصد) والإفادة:

     إنما الأغراض هي مقاصد المتكلّمين وأهدافهم التي يريدون إيصالها إلى المتلقين، وإبلاغها إليهم، وإفادتهم لهم، والفائدة هي حاصل ما ينتفع به المُخاطَب من الخطاب الموجّه إليه، أمّا الغرض أو القصد فهي التي يعبّر عنها سيرل (Searle) بالقوة المقصودة بالقول، وقد النحاة بهذه القيمة الخطابية وأقاموا نحوهم على رعايتها، ومن أمثلة ذلك من الكتاب موضوع التطبيق في هذا البحث (كتاب شرح المفصل، لابن يعيش) التعبير عنه بمصطلحات (الإرادة ومشتقاتها، والقصد ومشتقاته، والنّية، والغرض...)، ومن ذلك أمثلة استعمال فعل (أُريد) بمعنى (قُصد) كما مرّ بنا في ابن يعيش في قوله: « ... ألا ترى أنّك إذا قلتَ: لا تأكلِ السمكَ وتشربْ اللبن، بجزم الثاني، كنت قد عطفت الثاني على الأول، ويكون المعنى أنّك نهيته عن كلّ واحدٍ على الانفرادِ، حتى لو أكل السمك وحده كان عاصيًا، ولو شرب اللبن وحده كان عاصيًا، فإذا أُريد النهي عن الجمع لا عن كلّ واحدٍ منهما عدل إلى النصب [أيْ نصب الفعل (تشرب)] ... أي إذا أُريد غير معنى العطف الصريح، وكان له مساغ عدلوا إليه ... » (69)، فلفظ (أُريد) ينصّ على اعتبار القصد في التواصل التخاطبي بوصفها آلية من آليات الشرح المعتمد من قِبل ابن يعيش، ومن أمثلة القصد ما يُعرف بموجبات نصب الاسم على الاختصاص، كما في قول ابن يعيش: « وفي هذا الباب تختصّه بفعل يعمل فيه النصب تقصد به الاختصاص على سبيل الافتخار والتفضيل له، والاسم المنصوب في هذا الباب لا بدّ أن يتقدّم ذكره، ويكون من أسماء المتكلّم والمخاطب ... وكذلك قولهم نحنُ العربَ أقرى الناس للضيف، فالعرب هم نحن، ونصب هذه الأسماء كنصب ما ينتصب على التعظيم والشتم بإضمار أُريد أو أعني أو أختصّ فالاختصاص نوعٌ من التعظيم والشتم ... » (70)، ففي هذا النص تصريح بلفظ القصد الذي يريد المتكلّم من خلاله التعبير عن غرضه إمّا تعظيما وإمّا شتما، ومن أمثلة استخدام ابن يعيش للفظ النّية مريدا بها القصد والغرض في أصل الرتبة قوله في تقديم المفعول به على الفاعل: « وقد تُقدِّمُ المفعول لضرب من التوسّع والاهتمام به والنّية به التأخير، ولذلك جاز أن يقال (ضربَ غلامَه زيدٌ)، فالغلام مفعول وهو مضاف إلى ضمير الفاعل، وهو من بعده متــــــأخر عنه، فهو في الظاهر إضمار قبل الذكــــــر لكنّه لمّا كان مفعولا كانت النية به التأخير؛ لأنه لمّا وقع في غير موضعه كانت النية به التأخير إلى موضعه » (71)، ومن أمثلة استخدام مصطلح الغرض قوله في أصل التنكير في الخبر: « وأصل الخبر أن يكون نكرة، وذلك أنّ الغرض في الإخبارات إفادة المخاطب ما ليس عنده » (72)، هذه الأمثلة وغيرها تؤكد بما لا يدع للريبة موضعا اعتدادَ النحاة بغرض المتكلم وقصده أثناء استعماله للّغة في فعله التخاطبي مع غيره، كما تدلّل على حضور الفعل التداولي (القوة المقصودة بالقول) في متون النحو عموما، وفي كتب الشروح على وجه الخصوص قصد توضيح ملابسات الفعل الكلامي بصفته واقعا ملموسا.

أمّا عن عنصر الإفادة فهو متعلّق بالمخَاطب، ولقد قامت قواعد النحاة على اعتبار عنصر إفادة المخاطب موجّها في التقعيد النحوي، ويتجلى عنصر الفائدة واضحا في كتب الشروح النحوية ولا سيما في كتاب (شرح المفصّل)، ومن ذلك شرحه للتعريف والتنكير المتعلقين بالعملية الإسنادية في الجملة الاسمية (المبتدأ والخبر)، إذ يقول: « اعلم أنّ أصل المبتدأ أن يكون معرفة، وأصل الخبر أن يكون نكرة، وذلك أنّ الغرض في الإخبارات إفادة المخاطب ما ليس عنده، وتنزيله منزلتك في علم ذلك الخبر، والإخبار عن النكرة لا فائدة فيه، ألا ترى أنّك لو قلت: رجلٌ قائمٌ أو رجلٌ عالمٌ، لم يكن في هذا الكلام فائدةً؛ لأنّه لا يستنكر أن يكون رجلٌ قائماً وعالمًا في الوجود ممّن لا يعرفه المخاطَب، وليس هذا الخبر الذي تنزل فيه المخاطب منزلتك فيما تعلم ... » (73)، هذا النص يجلي مفهوم الإفادة بكل تفصيل، فهو يبيّن أنّ الإفادة تكون للسامع المخَاطَب لا لغيره، كما بيّن أن موطن الإفادة في الخطاب النكرة (من حيث الأصل)، وأنّ غرض المتكلّم من الخطاب إنزال المخاطب منزلته في العلم بمضمون الخطاب، وسميّت النكرة نكرة لأنّ المخاطَب يجهلها؛ يقول ابن يعيش: « ولأنّ النكرة ما لا يعرفه المخاطَب، وإن كان المتكلّم يعرفه، ألا ترى أنّك تقول: عندي رجلٌ، فيكون منكورا، وإن كان المتكلّم يعرفه، فالمعرفة والنكرة بالنسبة إلى المخاطَب » (74)، حتى أنّ الابتداء بالنكرة لا يحصل إلا بمسوّغات مخصوصة تجعل النكرة كالمعرفة في العلم بها.

هذا وقد أكّد ابن يعيش أنّ الجملة دالّة على الفائدة في معناها الدلالي العام الحاصل بعملية الإسناد، فإذا دخل عليها استفهامٌ كان استفهاما عن الفائدة المتحصل عليها بوصفها معنًى عامًا للجملة، فيقول: « فإذا قيل: إذا كان الاستفهام يقتضي الفعل على ما أقررتم، فما بالكم ترفعون بعده المبتدأ والخبر، فتقولون: أزيدٌ قائمٌ؟ وهل زيدٌ قائمٌ؟، فالجواب أنّ الجملة قبل دخول الاستفهام تدلّ على فائدة، فدخل الاستفهام سؤالا عن تلك الفائدة» (75)، ويجمل ابن يعيش بين الفائدة بوصفها ثمرة معنى عام (الجملة)، والفائدة بمحدّد الاعتماد والمحلّ بقوله: « اعلم: أنّ المبتدأ والخبر جملة مفيدة تحصل الفائدة بمجموعهما، فالمبتدأ معتمد الفائدة، والخبر محلّ الفائدة، فلا بدّ منهما » (76).

   ب. أفعال الكلام في الأساليب:

       أساليب العربية كثيرة، منها: الـتأكيد، والنداء بأنواعه، والإغراء والتحذير، والعرض والتحضيض، وغيرها.

غير أنّنا في مقام لا يسعنا فيه التفصيل، فسأكتفي بالإشارة المُغْنية عن العبارة وفق ما يدلّل على الفعل الكلامي وإنجازيته، أما التأكيد فأعمّ من التوكيد؛ ويشمل التوكيد لفظيه ومعنويّه، كما يشتمل على القسم، والمفعول المطلق، والحال المؤكّدة، والتوكيد بحروف المعاني (إنّ، وأنّ، واللام، والباء ...الخ)، بيد أنّ جوهر التوكيد في فائدته العائدة على المخاطب بأي آلية كان، وفي ذلك يقول ابن يعيش في مبحث التوكيد اللفظي والمعنوي: «فائدة التأكيد تمكين المعنى في نفس المخاطب، وإزالة الغلط في التأويل؛ وذلك من أنّ المجاز في كلامهم كثير شائع يعبّرون بأكثر الشيء عن جميعه، وبالمسبّب عن السبب، ويقولون: قام زيدٌ، وجاز أن يكون الفاعل غلامه، أو ولده، وقام القوم، ويكون القائم أكثرهم ... » (78)، فالتأكيد متّجه في الأصل إلى المخاطب، ويشتمل أسلوبه على مؤكد وتوكيد؛ فأمّا التوكيد فهو يمثّل القوة المقصودة بالقول، فيما يمثل المؤكد المضمون القضوي للقول ــ حسب مصطلحات سيرل (Searle) ـــ ، وقد عبّر ابن يعيش عن الفائدة المقصودة بالقول (التأكيد)، فقال في مبحث المفعول المطلق المؤكّد: « ... فالمعنى به أنّ المصدر يُذكر لتأكيد الفعل، نحو: قمت قياما، وجلستُ جلوسًا، فليس في ذكر هذه المصادر زيادة على ما دلّ عليه الفعل أكثر من أنّك أكّدت فعلك، ألا ترى أنّك إذا قلت: ضربت، دلّ على جنس الضرب مبهما من غير دلالة على كميته أو كيفيته، فإذا قلت: ضربتُ ضربًا، كان كذلك فصار بمنزلة: جاءني القوم كلُّهم ...» (79)، وتتجلى القوة المقصودة بالقول في كتاب ابن يعيش في شرح التأكيد بحرفي المعاني (إنّ، وأنّ) في قوله: « ... فأمّا فائدتهما فالتأكيد لمضمون الجملة، فإن قول القائل: إنّ زيدًا قائم ناب مناب تكرير الجملة مرتين، إلا إنّ قولك: إنّ زيدًا قائمٌ، أوجز من قولك: زيدًا قائمٌ زيدًا قائمٌ، مع حصول الغرض من التأكيد، فإنْ أدخلت اللام وقلت: إنّ زيدًا لقائمٌ، ازداد معنى التأكيد، وكأنه بمنزلة تكرار اللفظ ثلاث مرات، وكذلك (أنّ) المفتوحة ...» (80)، وإذا تمثّلنا لغة سيرل (Searle) والتداوليين المعاصريين يمكننا ترجمة الفعل الكلامي (مضاعفة التأكيد) بمضاعفة للقوة المقصودة بالقول.

أمّا النداء فمن أنواعه الأسلوبية الاستغاثة والنّدبة، وقد عرّف ابن يعيش المقصود بالنّدبة (المندوب) بقوله: «اعلم أنّ المندوب مدعوٌّ، ولذلك ذكر مع فصول النداء، لكنه على سبيل التفجّع، فأنت تدعوه، وإن كنت تعلم أنّه لا يستجيب كما تدعو المُستغاث به، وإنْ كان بحيث لا يسمع كأنّه تعدّه حاضرا، وأكثر ما يقع في كلام النساء لضعفِ احتمالهنّ، وقلّة صبرهنّ، ولمّا كان مدعوًا بحيث لا يسمع أتوا في أوّله بـ(يا) أو (وا) لمدّ الصّوت، ولمّا كان يسلك في الندبة والنوح مذهب التطريب زادوا الألف آخرا للترنّم، كما يأتون بها في القوافي المطلقة، وخصوها بالألف دون الواو والياء، لأنّ المدّ فيها أمكن من أختيها » (81)، هذا ويمكن إدخال أسلوب النّدبة في صنافة سيرل (Searle) ضمن أفعال الكلام الإنجازية في مقياسه الثالث المتعلّق بالحالات السيكولوجية (النفسية) المعبّر عنها، وهي التفجّع من أثر الفقْدِ.

   خلاصة هذا البحث نستطيع جَمْلها في النقاط التالية:

 

    

     

  

هوامش البحث  

 


                                                                                                                                      1997, p04

(2) فليب بلانشيه، التداولية من أوستن إلى غوفمان، ترجمة: صابر حباشة، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقيةــ سوريا، ط1 ــ 2007،

   ص17.

(3) ينظر: الجيلالي دلاش ، مدخل إلى اللسانيات التداولية ، ترجمة: محمد يحياتن، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1996، ص01.

(4) ابن فارس، مقاييس اللغة، تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت ــ لبنان، ط2 ــ 1991، ص 314.

(5) الجوهري إسماعيل بن حمّاد، الصّحاح (تاج اللغة وصحاح العربية)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت، ط2 ــ

   1979، 4/1699، 1700.

(6) خليفة بوجادي، في اللسانيات التداولية مع محاولة تأصيلية في الدرس العربي القديم، بيت الحكمة، العلمة/ سطيف ــ الجزائر، ط2 ــ 2012،

   ص 121.

(7) فرانسواز أرمينكو ، المقاربة التداولية ، ترجمة: سعيد علوش، مركز الإنماء القومي، الرباط ــ المغرب، 1986، ص 07.

(8) معاذ بن سليمان الدخيّل، معاني الكلام في النظرية النحوية (مقاربة تداولية)، دار محمد علي الحامي للنشر، تونس، 2014، ص 19.

(9) جاك موشلر وآن ريبول، القاموس الموسوعي للتداولية، ترجمة: عدد من الأساتذة والباحثين من الجامعات التونسية، بإشراف: عز الدين

مجدوب، المركز الوطني للترجمة، تونس، 2010، ص 21.

(10) شكري المبخوت، دائرة الأعمال اللغوية ـ مراجعات ومقترحات ـ، دار الكتاب الجديدة المتحدة، بيروت ــ لبنان، ط1 ـ 2010 ، ص 09.

(11) جيلالي دلاش، مدخل إلى اللسانيات التداولية، ص 01.

(12) نفسه، ص 01.

(13) ينظر: صلاح إسماعيل عبد الحق،التحليل اللغوي عند مدرسة اكسفورد، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت ــ لبنان، ط1 ــ 1993،

   ص 11 ــ 13.

(14) ينظر: نعمان بوقرة، المصطلحات الأساسية في لسانيات النص وتحليل الخطاب ـ دراسة معجمية ــ، جدارا للكتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاب العالمي، عمان ــ

   الأردن ، ط1 ــ 2009 ، ص 89، 90.

(15) ينظر: فليب بلانشيه، التداولية من أوستن إلى غوفمان، ص 63 ــ 65. وينظر: العياشي أدراوي، الاستلزام الحواري في التداول اللساني

     ــ من الوعــــــــي بالخصـــــوصيات النــــوعية للظـــــــــــــاهرة إلى وضع القوانيــــــن الضابطة لها ــ، دار الأمـــــــــــان، الربــــــــاط ، المغرب، ط1 ـــ 2011،

     ص 77 ـــ 95 .

(16) ينظر: القاموس الموسوعي للتداولية، ص 67.

(17) نفسه، ص 22.

(18) نفسه، ص 21.

(19) نفسه ص 26.

(20) فرانسواز أرمينكو، المقاربة التداولية، ص 07.

(21) خليفة الميساوي، المصطلح اللساني وتأسيس المفهوم، دار الأمان، الرباط، المغرب، ط1 ــ 2013، ص 105.

(22) فرانسواز أرمينكو، المقاربة التداولية، ص 38.

(23) ينظر: جاك موشلر وآن ريبول، القاموس الموسوعي للتداولية، ص 40، 41.

(24) ينظر: نفسه، ص 42، 43.

(*) ابن يعيش هو موفق الدين أبو البقاء المشهور بابن يعيش، وكان يُعرف بابن الصانع، ولد سنة (553ه) بحلب، قرأ النحو، وسمع الحديث

   بحلب، وكان من كبار أئمة العربية، ماهرا في النحو والتصريف، تصدر للإقراء في حلب زمانا، وطال عمره، وشاع ذكره، وصنّف: كتاب

   (شرح المفصل) الذي برع فيه، وأبدى عمقا في الفهم فيه، حتى تهافت طلاب العلم على شرحه؛ لما جمع فيه حسن الفــــــــــــــــــــــــــهم، وسهولة في

   التناول كما صنّف (شرح تصنيف ابن جني)، توفى بحلب سنة (643ه). ( ينظر: جلال الدين السيوطي، بغية الوعاة في طبقات اللغويين

   والنحاة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، لبنان، 1964، 2/ 351، 352.)

(25) فرانسواز أرمينكو، المقاربة التداولية، ص 38.

(26) ينظر: جاك موشلر وآن ريبول، القاموس الموسوعي للتداولية ، من خلال (العنصر الإشاري والعائد، ترجمة: محمد الشيباني)، ص 374.

(27) ابن يعيش ، شرح المفصل، تحقيق: أحمد السيد سيد أحمد، المكتبة التوقيفية، القاهرة ــ مصر، (د.ت)، 3/21.

(28) طه عبد الرحمان، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ــ المغرب، ط1 ــ 1998، ص 152، 153.

(29) ينظر: نفسه، ص 152.

(30) ينظر: فرانسواز أرمينكو، المقاربة التداولية ، ص 48.

(31) ابن يعيش ، شرح المفصل، 3/21.

(32) نفسه ، 3/616.

(33) نفسه ، 3/21،22.

(34) محمود عكاشة، النظرية البراجماتية اللسانية (التداولية) ــ دراسة المفاهيم والنشأة والمبادئ ــ ، مكتبة الآداب، القاهرة، مصر، ط ــ2013،

     ص84.

(35) جاك موشلر وآن ريبول، القاموس الموسوعي للتداولية، ص 374.

(36) ابن يعيش، شرح المفصل، 3/82،83.

(37) نفسه، 3/83.

(38) نفسه، 3/95.

(39) ينظر: فرانسواز أرمينكو، المقاربة التداولية ، ص 48.

(40) ابن يعيش ، شرح المفصل، 4/ 251.

(41) فرانسواز أرمينكو، المقاربة التداولية، ص47.

(42) نفسه، ص 47.

(43) ابن يعيش، شرح المفصل، 4/279.

(44) نفسه، 4/279.

(45) نفسه، 4/279.

(46) فرانسواز أرمينكو، المقاربة التداولية، ص 51.

(47) صابر الحباشة، مغامرة المعنى من النحو إلى التداولية، دار صفحات للدراسات والنشر، دمشق ــ سوريا، ط1ــ 2011، ص 36.

(48) جاك موشلر وآن ريبول، القاموس الموسوعي للتداولية، ص 111.

(49) العياشي أدراوي، الاستلزام الحواري ــ من الوعي بالخصوصيات النوعية للظاهرة إلى وضع القوانين الضابطة لهاــ ، دار الأمان ، الرباط ــ

     المغرب، ط1 ــ 2011، ص 18.

(50) ينظر: نفسه، ص 18.

(51) جاك موشلر وآن ريبول، القاموس الموسوعي للتداولية، ص 111.

(52) نفسه، ص 112.

(53) مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب ــ دراسة تداولية لظاهرة (الأفعال الكلامية) في الدرس اللساني العربي ـــ ، دار الطليعة،

   بيروت ــ لبنان، ط1 ــ 2005، ص 38.

(54) طه عبد الرحمان، اللسان والميزان (التكوثر العقلي)، ص 108.

(55) جاك موشلر وآن ريبول، القاموس الموسوعي للتداولية، ص 113.

(56) ابن يعيش، شرح المفصل، 3/601.

(57) نفسه، 3/601.

(58) نفسه، 3/626،627.

(59) ابن يعيش، شرح المفصل، 7/260

(60) سورة القدر: 5.

(61) ابن يعيش، شرح المفصل، 8/616.

(62) مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص40.

(63) ينظر: جاك موشلر وآن ريبول، القاموس الموسوعي للتداولية، ص 65.

(64) ينظر: نفسه ، ص 68.

(65) ينظر: نفسه، ص 68.

(66) ينظر: طالب سيد هاشم الطبطبائي، نظرية الأفعال الكلامية بين فلاسفة اللغة المعاصرين والبلاغيين العرب، مطبوعات جامعة الكويت،

   1994، ص 15.

(67) ينظر: فرانسواز أرمينكو، المقاربة التداولية، ص 63ــ 66.

(68) ينظر: آن ريبول وجاك موشلار، التداولية اليوم ــ علم جديد في التواصل ـــ ، ترجمة: سيف الدين دغفوس، ومحمد الشيباني، المنظمة

   العربية للترجمة، بيروت، لبنان، ط1ــ 2003، ص 33.

(69) ابن يعيش، شرح المفصل، 7/260

(70) نفسه ، 2/ 298.

(71) نفسه، 1/ 147.

(72) نفسه، 1/ 166.

(73) نفسه، 1/ 166.

(74) نفسه، 1/ 166.

(75) نفسه، 1/ 158.

(76) نفسه، 1/ 182.

(78) نفسه، 3/ 587.

(79) نفسه، 1/ 215،216.

(80) نفسه، 8/ 554.

(81) نفسه، 2/ 287.

** قائمة المصادر والمراجع (باللغة العربية والمترجمة إلى اللغة العربية) :

1. أدراوي العياشي ، الاستلزام الحواري ــ من الوعي بالخصوصيات النوعية للظاهرة إلى وضع القوانين الضابطة

   لهاــ ، دار الأمان ، الرباط ــ المغرب، ط1ــ 2011.

2. آن ريبول وجاك موشلار، التداولية اليوم ــ علم جديد في التواصل ـــ ، ترجمة: سيف الدين دغفوس، ومحمد

   الشيباني، المنظمة العربية

   للترجمة، بيروت، لبنان، ط1ــ 2003،

3. بوجادي خليفة ، في اللسانيات التداولية مع محاولة تأصيلية في الدرس العربي القديم، بيت الحكمة، العلمة/

سطيف ــ الجزائر، ط2 ــ 2012.

4. بوقرة نعمان ، المصطلحات الأساسية في لسانيات النص وتحليل الخطاب ـ دراسة معجمية ــ، جدارا للكتــــــاب

   العالمي، عمان ــ الأردن ، ط1 ــ 2009.

5. جاك موشلر وآن ريبول، القاموس الموسوعي للتداولية، ترجمة: عدد من الأساتذة والباحثين من الجامعات

   التونسية، بإشراف: عز الدين مجدوب، المركز الوطني للترجمة، تونس، 2010.

6. الجوهري (إسماعيل بن حمّاد)، الصّحاح (تاج اللغة وصحاح العربية)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت، ط2 ــ 1979.

7. الحباشة (صابر) ، مغامرة المعنى من النحو إلى التداولية، دار صفحات للدراسات والنشر، دمشق ــ سوريا،

   ط1ــ 2011.

8. الدخيّل (معاذ بن سليمان) ، معاني الكلام في النظرية النحوية (مقاربة تداولية)، دار محمد علي الحامي

   للنشر، تونس، 2014.

9. دلاش الجيلالي ، مدخل إلى اللسانيات التداولية ، ترجمة: محمد يحياتن، ديوان المطبوعات الجامعية،

   الجزائر، 1996.

10. السيوطي (جلال الدين) ، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم،

     المكتبة العصرية، لبنان، 1964.

11. صحراوي مسعود ، التداولية عند العلماء العرب ــ دراسة تداولية لظاهرة (الأفعال الكلامية) في الدرس

     اللساني العربي ـــ ، دار الطليعة، بيروت ــ لبنان، ط1 ــ 2005

12. صلاح إسماعيل عبد الحق،التحليل اللغوي عند مدرسة اكسفورد، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت ــ

     لبنان، ط1 ــ 1993.

13. الطبطبائي (طالب سيد هاشم) ، نظرية الأفعال الكلامية بين فلاسفة اللغة المعاصرين والبلاغيين العرب،

     مطبوعات جامعة الكويت، 1994.

14. عكاشة محمود ، النظرية البراجماتية اللسانية (التداولية) ــ دراسة المفاهيم والنشأة والمبادئ ــ، مكتبة الآداب،

     القاهرة، مصر، ط ــ2013.

15. فرانسواز أرمينكو ، المقاربة التداولية ، ترجمة: سعيد علوش، مركز الإنماء القومي، الرباط ــ المغرب،

     1986.

16. فليب بلانشيه، التداولية من أوستن إلى غوفمان، ترجمة: صابر حباشة، دار الحوار للنشر والتوزيع،اللاذقية

     ــ سوريا، ط1 ــ 2007.

17. المبخوت شكري ، دائرة الأعمال اللغوية ـ مراجعات ومقترحات ـ، دار الكتاب الجديدة المتحدة، بيروت ــ

     لبنان، ط1 ـ 2010 .

18. الميساوي خليفة ، المصطلح اللساني وتأسيس المفهوم، دار الأمان، الرباط، المغرب، ط1 ــ 2013.

19. ابن يعيش (موفق الدين) ، شرح المفصل، تحقيق: أحمد السيد سيد أحمد، المكتبة التوقيفية، القاهرة ــ

       مصر، (د.ت).

** مرجع باللغة الأجنبية (الفرنسية) :

                                                                                               :Dominique Maingueneau*

Pragmatique pour le discours littéraire, Collection lettres, SUD,Dunod,paris. 1994